الأكاديمية الإسلامية المفتوحة / الفصل الدراسى الأول / مادة مصطلح الحديث / د. رامز بن محمد ابو السعود
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس (10)
س/ ما هي أقسام الحديث باعتبار الاحتجاج به والعمل به ؟.
ج/ ينقسم الحديث باعتبار الاحتجاج به والعمل به إلى المحتج به، وغير المحتج به.
· المحتج به : هو الحديث الصحيح والحسن.
· وغير المحتج به : هو الحديث الضعيف بأنواعه.
س/ ما هي أقسام الحديث باعتبار الاحتجاج به والعمل به ؟.
ج/ أما الحديث المحتج به، وهو الصحيح والحسن، فينقسم أيضًا إلى قسمين:
حديث صحيح معمول به، وحديث صحيح غير معمول به، وكذا الحال في الحسن،
يعني صحيح أو حسن معمول به، أو حديث صحيح أو حسن غير معمول به.
فينقسم إذن المحتج به إلى المعمول به، وغير المعمول به.
س/ ما معنى المحتج به؟
ج/ هو الذي يحتج به، يعني أن نستنبط منه الأحكام الشرعية،
س/ ما هي أقسام الحديث المعمول به ؟.
ج/ المعمول به ينقسم إلى قسمين:
· الحديث المحكم.
· الأحاديث المتعارضة ظاهرًا وعُمل بما تضمنته من أحكام شرعية.
أى أن الحديث المعمول به، ينقسم إلى حديث محكم، وحديث من مختلف الحديث.
س/ ما هو الحديث المحكم؟
ج/ الحديث المحكم: هو الحديث الصحيح أو الحسن المحتج به الذي سلم الصحيح من المعارض،
أى أن هناك من الأحاديث ما هي فيها معنى التعارض، لكن التعارض نسميه تعارض ظاهري؛ لأن التعارض لا يكون في أصل الشريعة؛ لأن الأحاديث كلها إنما خرجت من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فمحال أن يقع التعارض، محال أن يقع في حديث الحبيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه قد يقع في عقول الفقهاء والعلماء، لذلك نسميه تعارض ظاهري، أو تعارضًا ظاهريًّا.
س/ هل الحديث المحكم حديث ضعيف؟
ج/ لا، قطعًا لا، هو محتج به، صحيح أو حسن، لكنه سلم من المعارض.
س/ اذكر مثالاً على حديث مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح، قد سلم من المعارض ؟.
ج/ حديث مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح، قد سلم من المعارض،
حديث عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: »إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.«
نعم، حديث محكم، إذ لا معارض له؛ لأنه ينص على اشتراط النية، وأن العمل إنما يُقبل بالنية، وهذا لا خلاف فيه، بل انعقد الاتفاق والإجماع على هذا، فهو حديث لم نجد من نصوص الكتاب أو السنة ما يعارضه، فلا معارض له.
حديث آخر
حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم» -: « لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول« ، هل هناك خلاف أن الوضوء شرط لصحة الصلاة بين العلماء؟ لا، الأمر متفق عليه، » لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول «، من مال قد غُلَّ؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
هذا الحديث ما يستنبط منه من أحكام شرعية، لا معارض لها، فنسميها إذن حديث محكم.
فالمحكم: هو الثابت الذي دلالته على المسألة لا اختلاف بين العلماء فيها، دلالته واضحة بارزة لا معارض له من أحاديث أخرى، هذا هو الحديث المحكم.
هذا القسم الأول من الحديث المعمول به، الحديث المحكم،
س/ الحديث المحكم يُعمل به أو لا يُعمل؟
ج/ اتفق العلماء، أطبقت كلمة العلماء على العمل به؛ لأنه صحيح محتج به، ومحكم لا معارض له. وهذا يُعمل به قولاً واحدًا.
س/ هل الأحاديث المتعارضة ظاهرًا محتج بها أو غير محتج بها؟.
ج/ محتج بها، لكنها متعارضة ظاهرًا
س/ لماذا قلنا الأحاديث المتعارضة ظاهرًا؟
ج/ لأن الشريعة لا تعارض بينها، إنما خرجت من مشكاة واحدة من نور النبوة، فالأحاديث المتعارضة ظاهرًا، وعمل بما تضمنته، إذن تعارض ظاهري، لكنه عمل بما تضمنته من أحكام شرعية،
س/ اذكر أقسام الأحاديث المتعارضة ظاهرًا ؟.
ج/ تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
· القسم الأول : الأحاديث التي أمكن الجمع بينها بأي وجه من وجوه الجمع.
· القسم الثاني: الحديث الناسخ.
· القسم الثالث : الحديث الراجح.
س/ إذا تعارضت الأحاديث فما مسلك العلماء لحل هذا التعارض ؟.
ج/ إذا تعارضت الأحاديث فسلك العلماء مسالك ثلاث لحل هذا التعارض،
فالمسلك الأول هو: الجمع؛ لأن الكل خرج من مشكاة النبوة، فلا يحق لك أن تعمل بعض النصوص، وأن تهمل بعضها من غير مبرر، ولا سبب يقبل، إذا أمكن الجمع فالأولى أن تجمع بين النصوص؛ لأن النصوص كلها قد خرجت من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من منطوق لسانه صلوات ربي وسلامه عليه، فإذ ذاك لن تتعارض إلا ظاهرًا، فإذا أمكن الجمع وجب المصير إليها على قاعدة العلماء التي قالوا: "إعمال النصوص أولى من إعمال بعضها، وإهمال بعضها الآخر"، أي إعمال جميع النصوص أولى من إعمال البعض وإهمال البعض.
لذلك قال الحافظ ابن حجر في النخبة بما معناه، قال: "الحديث المحكم الذي معارض له، فإنه عورض، فالجمع إن أمكن" إذن الخطوة،
· المسلك الأول: الجمع إذا تعارضت الأحاديث ظاهرًا،
· ثم إن تعذر الجمع، فأن نصير إلى النسخ مقدم على الترجيح.
· ثم نثلث بالترجيح.
· ثم إن تعذر الجمع، والنسخ، والترجيح، لزم علينا التوقف، الله أعلم بمرادها\.
إذن الآن المسالك التي يسلكها العلماء للتعارض أو للجمع بين التعارض بين الأحاديث: هي إما الجمع بين هذه الأحاديث، وهذا هو المقدم، وهذا هو الأصل، فلا يجوز أن تنتقل من هذا المسلك إلى المسلك الآخر أعني النسخ إلا إذا تعذر الجمع.
س/ ما هى شروط النسخ التي اشترطا العلماء ؟.
ج/ من شروط النسخ التي اشترط العلماء: شرطان للنسخ:
أحدهما: هو عدم القدرة على الجمع؛ لأن الجمع مقدم، فإذا أمكن الجمع، إذن لا نسخ أصلاً، لا نصير إلى النسخ، لكن إذا تعذر الجمع اضطررنا أن نسير إلى النسخ، وإذ ذاك فحين لا يمكن الجمع، فيكون هذا الشرط قد تعطل، ثم النسخ، ثم التوقف.
س/ ما هو الجمع؟
ج/ إعمال جميع الأحاديث، إعمال جميع النصوص الواردة في مسألة ما، إعمالها جميعًا، أن أجمع بينها.
س/ اذكر أوجه الجمع ؟.
ج/ أن الجمع له أوجه متعددة، له طرائق عدة، وليس على طريقة واحدة، أو مسلك واحد، له طرائق عدة،
فأحيانًا يسلك العالم للجمع بأن
· يقول: بينهما عموم وخصوص،
· ومرات يقول: بينهما إطلاق وتقييد ،
· ومرات يقول: هذا أمر يُصرف إلى الاستحباب، الأمر الأصل فيه إلى الوجوب، فيصرف إلى الاستحباب، لقرينة قامت،
· أو مرات يقول: هذا نهي يصرف إلى الكراهة، ومسالك الجمع لا حصر لها،
س/ اذكر مثال على أن العموم والخصوص من طرائق الجمع ؟.
ج/ مثال العموم والخصوص: ما رواه الإمام البخاري في صحيح: عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربوا» ، ما الذي يستنبط من الحكم الشرعي من هذا الحديث؟
أنه لا يجوز استقبال القبلة ببول أو غائط، وكذا الحال في استدبارها، لا يجوز استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائض.
«إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربوا» شرقوا أو غربوا، هذا الذي يستفاد من الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى المسلم عن استقبال القبلة ببول أو غائض، وكذا الحال في استدبارها.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رقيت على بيت أختي حفصة، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا لحاجته، مستقبل الشام، مستدبر القبلة"، فيه تعارض هنا يا إخوة، ظاهرًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استدبر القبلة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى القبلة ظهره حال فعله للغائط والبول، حال تبوله، وهو في الحديث الأول قد نهى عن هذا الفعل، فإذن هنا تعارض ظاهري، ويؤكد هذا ما روى أصحاب السنن وحسنه الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها".
إذن: نقل الأمرين، نقل الأمر عن استقبال القبلة، ثم أخبر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل قبضه بعام قد استقبلها. فما رأيكم؟ هل يمكن الجمع؟ أم لا يمكن الجمع؟
يمكن الجمع بين النصين، فجمع العلماء أو بعض العلماء بين ذلك: أن النهي عام في كل مكان، حملوا النهي على العموم، فلا يجوز استقبال القبلة أو استدبارها في أي مكان إلا، هنا هذا اسمه حمل العام على الخاص، العموم والخصوص.
كأنني أخرج بعض أفراد هذا العام فأجعل له حكمًا مغايرًا لحكم العام، فأبقي العموم على الحكم الذي نطق به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأستثني من هذا العموم بعض أفراده الخاص، بعض أفراده، فأجعل له حكمًا آخر، أيضًا نطق به الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من قوله أو من فعله، ليس شرطًا النطق فقط، إنما خرج مني مخرج الغالب.
فجمع بعض العلماء بين ذلك، أن النهي عام في كل مكان، إلا إذا كان بينك وبين القبلة بناء أو جدار، وأما في الفلاة والصحراء فلا يجوز، فحملوا الأحاديث التي نهت عن استقبال القبلة ببول أو غائط أو استدبارها، على أن النهي إنما يكون في الصحراء والفلاة، ليس بينك وبين الكعبة جدار أو بناء أو بنيان، وحملوا الأحاديث التي أقرت وأثبتت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استقبل القبلة أو استدبرها ببول على أنه كان بينه وبينها بنيان، ستقول: أين الدليل؟ لم يرد في النصوص ما يدل على أن القيد بالبناء والبنيان، وأنه إن كان بناء جاز استقبال القبلة أو استدبارها، وأما إن لم يكن هناك بناء كنا في فلاة أو صحراء فلا يجوز، ما الدليل؟
نعم، اسمع هذا الدليل، ويدل على ذلك ما رواه أبو داود في سننه، وحسنه الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- عن مروان الأصفر قال: "رأيت ابن عمر" لاحظوا من رأى؟ ابن عمر، الذي رقي بيت أخته، ورأى النبي، ونقل لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استقبل الشام واستدبر القبلة ببول، إذن هو نفس الناقل للحديث.
قال: "رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة" كان في سفر، ووضع الراحلة؛ لأنه يريد أن يقضي حاجته، "مستقبل القبلة" أي أنه استقبل القبلة، "ثم جلس يبول إليها" يعني يبول جهة القبلة، "فقلت: يا أبا عبد الرحمن: أليس قد نهي عن هذا؟" أليس هناك نهي عن هذا؟ قال: "بلى" نعم هناك نهي "إنما نهي عن ذلك في الفضاء" يعني في المكان الذي لا بناء فيه، الصحراء والفلاة، في الفضاء، "وإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس".
كلام استنبط من فعل الصحابي الذي روى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا استدبر القبلة ببول.
لذلك عنون الإمام البخاري في صحيحه بقوله: "باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء، جدار أو نحوه" يعني هذه حالة مستثناة.
إذن: الآن جمعنا بين النصوص؟ أم أخذنا بعضها وأهملنا بعضها؟ جمعنا، أعملنا هذا النص، وقلنا: هذا النهي عن الاستقبال يرد في حال الفلاة والصحراء، ليس بينك وبين القبلة بنيان أو حاجز أو جدار، وأن النصوص التي نقلت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعله قد استقبل القبلة أو استدبرها ببول أو غائض إنما تحمل على البناء، والذي يدل على هذا كلام الراوي الذي روى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، جمع سائغ مقبول؟ أ أوغير مقبول؟
س/ لَمَ لَمْ نُعمل النسخ مع أن حديث جابر آنف الذكر يوحي إلى النسخ؟.
، لما قال جابر: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها"، كأن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: نهى النبي ابتداءً عن الاستقبال، وقبل موته بسنة استقبلها، كأنه يرى النسخ، ما أقول أنه يرى النسخ، كأن كلامه يوحي بالنسخ، لكن الحق أنه لا نسخ، لماذا؟ لأنه أمكن الجمع، فلا نصير إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، انتبهوا، إذا تعذر الجمع لا يُصار إلى النسخ.
س/ "إذا تعذر الجمع لا يُصار أبدًا إلى النسخ"، هل هذه القاعدة على إطلاقها؟
ج/ الحق لا،
إذا ورد النص من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من قول الصحابة على أن الأمر كان على الأمرين ثم نسخ بأمر النبي أو علمه أو خبره، ولو أمكن الجمع، نصير إلى النسخ،
لأن كثيرًا من طلاب العلم يطلق القاعدة، يقول: "إذا تعذر الجمع لا يُصار إلى النسخ أبدًا"، لا، إلا في حالة واحدة: إن نص النبي -صلى الله عليه وسلم- أو نص أحد الصحابة الذين أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن الأمرين كانا في زمن النبي, فنسخ النبي صلى الله عليه وسلم- أحدهما, وأبقى الآخر.
س/ اذكر مثال على أن المطلق والمقيد من طرائق الجمع ؟.
ج/ مثال على المطلق والمقيد: قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ المائدة: [38] هل نص الله -جل وعلا- في علاه أين تقطع اليد؟ قد أقطعها من هنا، قد أقطعها من هنا، قد أقطعها من هنا. فقد أطلق الأمر بالقطع في عموم اليد، أطلقها، فلم يحدد موضع القطع، فأتت السنة فقيدت موقع القطع من هنا، فأتت السنة فقيدت أن السارق إذا سرق ما بلغ النصاب وأخذه من حرز مثله، أن موقع القطع من هاهنا من الرسغ، فإذن الآية أطلقت والسنة قيدت، وفيها نوع تعارض ظاهري؛ لأن الآية أطلقت، لو أتى أحد وقال لك: أنا سأقطع من هنا؛ لأن الآية قالت: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ من أي مكان تقطع اليد أجزأت، فالآية أطلقت في عموم اليد، نقول: نعم، والسنة قيدت في موضع واحد من تلك اليد بطولها وعرضها.
فإذن يحمل المطلق على المقيد، ويحمل العام على الخاص.
س/ اذكر مثال على النهي الذي يصرف من التحريم إلى الكراهة ؟.
ج/ مثال النهي الذي يصرف من التحريم إلى الكراهة: مسألة تكلم بها العلماء قديمًا، وهي مسألة البول قائمًا.
هناك نوع تعارض ظاهري بين النصوص، روى الإمام الترمذي وغيره، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "من حدثكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا".
إذن: كانت تنقل فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يبول قاعدًا، ولم يبل قط قائمًا، هذا الذي يستفاد، يستفاد منه: النهي عن البول قائمًا، وأن الأصل في المسلم إذا بال أن يبول قاعدًا، ما السبب؟ ما العلة يا إخوتي؟ حتى لا يرش وترتد النجاسة عليه وعلى ثيابه، فيتنجس ويتلطخ بالنجاسة، فالبول قاعدًا مستحكم فيه المرء، ولا يتلطخ بالنجاسة، أما إذا بال قائمًا، فالأمر لا، هذه العلة، أو هذه الحكمة.
وروى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، واللفظ للإمام مسلم: عن أبي وائل -رحمه الله- قال: "كان أبو موسى يشدد في البول، ويبول في قارورة" يأتي بقارورة، إناء يجلس ويبول، يشدد في البول، أريد أن أصل بعد هذا إلى لفتة في "يشدد في البول".
قال أبو موسى -رضي الله تعالى عنه- قال: "إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل -رضي الله عنه- : لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد" خفف يا أبا موسى قليلاً، "فلقد رأيتني أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتماشى، فأتى سباطة خلف حائط" زبالة، موقع قذارة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم فبال، إذن بال قائمًا، "فانتبذت منه" يعني ابتعدت، حتى ما تتكشف عورته، "فأشار إلي يعني قرب، قرب"، خليك بعيد، لكن قرب قليلاً، "فجئته، فقمت عند عقبه حتى فرغ"، يعني خلفه حتى فرغ.
الآن هنا بال النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمًا، والحديث في الصحيحين، وأمنا أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- أنكرت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بال قائمًا قط، وإنما كان يبول قاعدًا، ونسبت أن الذي يقول كذا، قالت: "لا تصدقوه"، وأم المؤمنين زوج الحبيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي أريد أن أقوله: إذ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قطعًا سيقضي حاجته وخاصة البول في بيتها، فلم تر النبي قط قد بال قائمًا.
الآن هناك تعارض ظاهري بين النصوص؟ نعم موجود، هناك تعارض ظاهري بين النصوص، لكن الجمع سهل يسير، فنقول: أن النهي يفيد التحريم، هذا الأصل في النهي، نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، أو قال: لا تفعل كذا، فالأصل أنه يفيد التحريم، وأن فاعله آثم، إلا كما نص العلماء أن النهي يفيد التحريم إلا إذا قامت قرينة صرفت التحريم، أو صرفت النهي من التحريم إلى الكراهة، فنقول: هذا أمر كرهته الشريعة، لكنها ليست كراهة تحريم، وإنما كراهة تخشى أن يقع رشرشة، أو أن يتأذى المسلم ويتلطخ بالنجاسة، فيقوم يصلي وهو عليه نجاسة فلا تقبل صلاته، من باب الاحتياط، سد الذرائع.
لذلك ما نقل الإمام الترمذي بعد أن أخرج حديث عائشة، لما قالت: "فلا تصدقوه" قال: "ومعنى النهي عن البول قائمًا على التأديب لا على التحريم" يعني على الكراهة، كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى أدبنا، إلى ما ينفعنا من الأدب، على التأديب لا على التحريم.
س/ متى نعت حذيفة أبا موسى أنه متشدد؟
ج/ لأنه قام عنده الدليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما شدد في هذا الفعل، لا تتشدد.
إن أخذ المسلم بالشدة والتشدد من غير دليل، نقول: لا،«ما شاد أحد هذا الدين إلا غلبه، فأوغلوا فيه برفق»، لكن إن قام طالب العلم فقال بمسألة، ولو لم يقل بها كثير من الناس من العامة، أو لم يعلمها كثير من العامة، فقال بمسألة، وقال دليلي، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا لا يحل أن ينعت بالتشدد، هذا لا يحل، وهذا صنيع حذيفة، لما نعته بالتشديد، قال: أنا كنت أتماشى مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، الموقعة بين يدي، وقد رأيتها وأدركتها، ومع ذلك بال النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمًا،
الأحاديث التي أمكن الجمع بينها بأي وجه من أوجه الجمع، وهذا الذي يسميه العلماء بمختلف الحديث، أو إن شئت سمه مشكل الحديث، وإن كان بعض المعاصرين يفرقون بين المختلف والمشكل، ولكن الحق أن صنيع عموم المتقدمين ما كانوا يفرقون بين المختلف والمشكل، فكتاب "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة، ذكر من المشكل، وذكر من المختلف، وكتاب "شرح مشكل الآثار" للطحاوي، ذكر من المشكل، وذكر من المختلف، وكتاب "مشكل الحديث" لابن فورك، ذكر من المشكل، وذكر من المختلف كذلك، وإن كان حقيقة أظن في شرح ابن فورك أظن أكثره أو يمكن ما فيه مختلف، أظن الغالب أمور عقائدة في المشكلة، والله تعالى أعلم.
س/ ما هو النسخ ؟.
ج/ رفع حكم شرعي سابق بحكم متأخر.
س/ من الذي ينسخ؟.
ج/ النسخ لا يكون إلا بنص، نص ناسخ، ونص منسوخ.
س/ هل الإجماع ينسخ ؟.
ج/ لا، أبدًا، النسخ لا بد أن يكون بوحي من السماء، ولكن الإجماع قرينة على وجود الدليل الناسخ، لكنه لا يستقل بذاته في النسخ، لكنه قرينة تدل على وجود الدليل الناسخ، فالإجماع إنما انعقد على دليل، وإلا مستحيل أن تجتمع هذه العقول النيرة، عقول الفقهاء والعلماء أن تجتمع على شيء من غير دليل.
النسخ لابد أن يكون كله بوحي السماء، بكلام الله، أو كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكله واحد، ولابد فيه من حديث، أو من دليل ناسخ، ودليل منسوخ،
س/ ما هى شروط النسخ ؟.
ج/ النسخ لابد فيه من شرطين:
· الشرط الأول: عدم إمكان الجمع بين الأحاديث المتعارضة ظاهرًا، تعذر الجمع بينها وإلا لو أمكن الجمع لقلنا بمسلك الجمع الذي هو قبل مسلك النسخ.
· الشرط الثاني: معرفة المتقدم من المتأخر، معرفة الدليل المتقدم من الدليل المتأخر،
س/ الدليل الناسخ من هو؟
ج/ المتأخر هو الناسخ؛ لأنه سينسخ الحكم الأول من الحديث الأول المتقدم.
س/ كيف يثبت النسخ؟
ج/ بإحدى ثلاث طرق:
الأول: أن ينص النبي -صلى الله عليه وسلم- نصًا على نسخ الحكم، كحديث: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها».
كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: كان الحكم أول الأمر أن زيارة القبور لا تُشرع؛ لأن الصحابة كانوا قريبي عهد بجاهلية، وكانوا من الذين يعظمون القبور، فخشي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الزيارة قد تورث فيهم شيئًا من العقائد الماضية، فنهاهم عن زيارة القبور، وعن دخول المقابر إلا للدفن، ليس للزيارة.
«كنت نهيتكم عن زيارة القبور» لما رأى أن العقيدة قد استقرت في قلوب أصحابه، واستمكنت منها قلوبهم، واحتوتها وامتلأت قلوبهم عقيدة، بل أشربت منها وأشبعت، خلاص،« ألا فزوروها» فكما ورد في الروايات«: فإنها تذكركم الآخرة»، نعم تذكر تقربك من الموت، الدنيا يكون الواحد منا يأخذ الدنيا بطولها وعرضها، يجمع المال، ويعاسف الأولاد والنساء، لما يذهب إلى المقبرة، ويجد القبور قد أزفت، وأن القوم قد أخذوا رحالهم، والتحفوا بترابها، يتذكر أن كل الذي يسعى إليه، أن مآله إلى حفرة، إلى مقبرة ليس إلا.
الثاني: أن ينص أحد الصحابة على أن الحكم قد نُسخ، ومنها: حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- المشهور، قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار".
نص الصحابي نصًا، على أن المسألة ولو أمكن فيها الجمع، لكن الموضوع ليس موضوع جمع، إنما موضوع نسخ، وأن كان هناك حكم أول، وهو يجب أن تتوضأ مما مست النار، ثم نُسخ هذا الحكم فصار ليس لازمًا على المسلم أن يتوضأ مما مست النار.
الثالث: وهو الترجيح،
س/ هل النسخ أقرب إلى الجمع أم إلى الترجيح؟
النسخ أقرب إلى الجمع،
س/ لماذا النسخ أقرب إلى الجمع؟
ج/ لأنه أصلاً دلالة الجمع فيه ظاهرة، بمعنى أنني أعمل جميع النصوص أو جميع الأحكام، كأنني أقول: أن الحكم الأول كان لمدة زمنية معينة، وأن الحكم الثاني كان لمدة زمنية أخرى، يعني كأن هذا الحكم جمعت، عملت جميع الأحكام المستنبطة من الحديث، فأعملت هذا الحكم في فترة زمنية، وأعملت هذا الحكم في فترة زمنية متأخرة أخرى.
إذن حقيقة النسخ في مضمونه هو أقرب ما يكون إلى الجمع منه إلى الترجيح، فهو من مسائل الجمع، يعني أقرب ما يكون أقول، العلماء فرقوا بينه وبين الجمع، لكنه حقيقة أقرب ما يكون إلى الجمع منه إلى الترجيح؛ لأن النسخ فيه جمع،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق