الأكاديمية
الإسلامية المفتوحة / الفصل الدراسى الأول / مادة مصطلح الحديث / د.
رامز بن محمد ابو السعود
بسم
الله الرحمن الرحيم
الدرس (2)
س/ ما
هي غاية العلماء من تعريف حديث النبى صلى الله عليه وسلم؟
ج/ غاية
علمائنا هو أن نتبع النبي صلى الله عليه وسلم من هذا التعريف حقا وصدقا حق
الاتباع، وأن نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم سيرة وسريرة، ظاهرا وباطنا، فيكون
سمتنا على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخلقنا على هدي الحبيب صلى الله
عليه وآله وسلم، وكل ما يصدر من قول أو فعل أو تقرير فهو عبادة نتعبد ونتقرب إلى الله
عز وجل بذلك.
س/ ماذا
نستفيد من ندرة الاختلاف في مصطلح الحديث بين العلماء في مقابل كثرته في علوم
أخرى؟.
ج/ إن
ذلك يفيدنا أمرين.
الأول: أن الله عز وجل حقيقة هو حافظ
لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن قوله عز وجل ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
[الحجر: 9]، يشمل الكتاب والسنة.
إن حفظ السنة إنما كان بتوفيق من الله
عز وجل، وأن العلماء لما استقوا هذه القواعد واستنبطوها إنما كان بتوفيق من الله
وفضل وإلهام من الله عز وجل ليحفظ السنة، ولما رأى من صدقهم في طلب العلم والدعوة
والإخلاص إلى الله، فوفقهم إلى قواعد قل الاختلاف فيها.
ولذلك صنفت مصنفات وكتب كتب تثبت هذا،
ومن شاء أن يرجع فليرجع إلى كتاب وديعة البرهان على أن السنة محفوظة كالقرآن،
لسيدي محمد بن أحمد الشنقيطي، وهو كتاب جيد.
الأمر الثاني الذي قد نستفيده من هذا،
من قلة الاختلاف وندرته مع وجوده بين علماء مصطلح الحديث، أن علم الحديث قواعد،
هذه القواعد موافقة للفطرة الإنسانية، منسجمة تماما مع الطبيعة البشرية، متكيفة بل
متناغمة مع العقل السليم.
فلن تجد عقلا سليما، أو فطرة مستقيمة
إلا وتتناغم هذه القواعد وتتفق معها ولا تفترق.
س/ ما
هى أقسام الحديث باعتبار طرقه؟.
ج/ ينقسم
الحديث باعتبار طرقه إلى: متواتر، وآحاد..
س/
هل هناك قسم ثالث؟.
ج/ وبعضهم
يزيد قسما ثالثا، فيقول: متواتر ومستفيض أو مشهور وآحاد.
فيقول هو متواتر ومشهور مستفيض وآحاد..
والبعض يجعل المشهور أو المستفيض من ضمن
الآحاد.
س/ ما
هو الحديث المتواتر؟.
ج/ ما
رواه عدد كثير عن مثله إلى نهاية الإسناد، وأحالت العادة تواطؤهم على الكذب، وكان
مستندهم إلى الحس، وأفاد الخبر العلم بسامعه.
س/
ما العدد الذى يحصل به التواتر؟.
ج/ المتواتر
هو ما رواه عدد كثير عن مثله إلى نهاية الإسناد، إذن المتواتر عدد كثير، وقع
الخلاف بين العلماء، كم هذا العدد، فبعضهم قال أربعة وبعضهم قال ستة، وبعضهم قال
سبعة، وبعضهم قال عشرة، وبعضهم قال اثني عشر، وبعضهم قال ستين، وبعضهم قال سبعين.
س/ هل
الأمر فى الحديث المتواتر يقف على العدد؟.
ج/ والحق
الذي قرره الحافظ رحمه الله تعالى وهو الحق بإذن الله، أن الأمر ليس هكذا، ليس على
العدد، وإنما على ما يورث طمأنينة أن الرواة يستحيل أن يتفقوا على الكذب في هذا
الحديث، يعني هي نفسية أو ملكة نفسية تورث طمأنينة في القلب على أن الحديث نقطع
بأنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
س/لم
لا نعتبر العدد فى الحديث المتواتر ؟
ج/ كان
معي الآن عشرة من الرواة يعيشون هنا، رووا حديثا، هل سيحدث لك طمأنينة في قلبك،
نرجع إلى العصور الأولى، لا نتكلم إلى العصر الذي سارت الدنيا كلها كقرية صغيرة..
في العصور الأولى فهل هؤلاء العشرة سيقع لك طمأنينة في القلب مثل ما يقع لك إن كان
واحد في البصرة، والآخر في الشام، والثالث في اليمن، والرابع في خراسان، والخامس
في الجزيرة العربية، والسادس في مكة، والسابع في العراق، صح أم لا، من الذي يحدث
في نفسك طمأنينة، الأول الذين اتفقوا في موطن واحد ومكان واحد على ذلك، أم الذين
تفرقت أمصارهم، وتباعدت أقطارهم، وصعب عليهم الاجتماع، صح أم لا؟
الثاني يورث في نفسك طمأنينة ليست تتحقق
بالأول، إذن هي قضية نسبية.. ولا حد للعدد، فرب عشرة أقبل حديثهم وأعده من
المتواتر الذي أقطع بثبوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورب عشرة لا أقبل أن
يكون الحديث متواترا، أقطع بثبوته، ممكن أقبل الحديث لكن لا أقطع بثبوته، وهذا
سيأتي إلينا.. لم يحدث العلم الضروري العلم القطعي، وإنما أحدث غلبة ظن أو علم
نظري..
إذن ما رواه عدد كثير عن مثله، وبينا أن
العدد لا يحصى، والحق أنه لا يحصى إنما يختلف بحال.. هذا أولا..
ثانيا: إذا تناقل هذا الإسناد، وهذا
التواتر علماء حفاظ من أبرز العلماء، توافقونني أن العدد سنقبل بأقل من عدد رواة
عاديين صح أم لا؟ لأننا أمنا بثقتهم وإمامتهم أنهم لن يكذبوا، فضلا عن أنهم قد
اتفقوا على هذا الحديث، فنقطع بصدق هذا الحديث، وأنه من قول النبي صلى الله عليه
وسلم.
س/ ما
نعنى ( رواه عدد كثير عن مثله إلى نهاية الإسناد ) ؟.
ج/ يعني
كأن العلماء أرادوا أن يقرروا أن التواتر لا يثبت للحديث إلا إن كان العدد كثيرا
يحدث في النفس طمأنينة في كل طبقة من طبقات الإسناد، يعني وهذا سؤال، عندي حديث
رواه عمر بن الخطاب، فقط، ثم تواتر عن عمر عن جماعات من التابعين، ثم تواتر عن
جماعات من أتباع التابعين، ثم تواتر حتى بلغ المصنفات، حتى بلغ أصحاب التصانيف.
فهو تواتر في كل طبقاته، إلا طبقة واحدة، فهذا الحديث ما نسميه؟ متواتر، هل حقق
تعريف التواتر يا إخوة؟ لا.. هذا لا يعتبر متواترا، ولو كان التواتر في كل طبقة
إلا طبقة واحدة، لا يعتبر، ينبغي أن يكون العدد الكثير الذي يحدث في النفس طمأنينة
في كل طبقة من طبقات إسناده من مبتدأه إلى منتهاه.
س/
ما نعنى ( وأحالت العادة تواطؤهم على الكذب ) ؟.
ج/ وأحالت
العادة تواطؤهم على الكذب.. وأحالت من المستحيل، من المحال، وليست من الإحالة
التحويل، لا.. وأحالت أي استحال تواطؤهم على الكذب، فبعد وأحدث، قلت لكم ملكة
نفسية قطعت بأنهم مستحيل أن يتواطؤوا بهذا العدد، وبتفرق الأبدان، ومع هذا اتفاق
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي روايته، استحال أن يتواطؤوا على كذب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
س/
ما نعنى ( وكان مستندهم إلى الحس ) ؟.
ج/ وكان
مستندهم إلى الحس، يقول العلماء في هذا وكان مستند انتهائهم
الحس. يعني ليس مستندهم هو العقل والنظر، إنما مستندهم الواقع الحسي الملموس، فأي
شيء كان مستنده العقل لا يدخل في التواتر، يعني نقول خرجت بقول وكان مستند
انتهاءهم الحس خرجت به القضايا الاعتقادية، التي تستند إلى العقل، مثل وحدانية
الله جل جلاله، كما خرجت بذلك القضايا العقلية الصرفة مثل كون الواحد على نصف من
الاثنين، فإن العبرة فيها للعقل لا للأخبار.
إذن مرد الأمر ليس إلى النظر، كأن
العلماء يريدون أن يقولوا: إن الحديث المتواتر
نقطع بثبوته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبأنه صلوات ربي وسلامه عليه قد قاله
ونطق به من غير استعمال عقل، بمجرد تواؤم تلك الطرق، واجتماع أولئك الرواة، يحدث
في النفس طمأنينة على استحالة كذبهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
س/
ما نعنى ( وأفاد الخبر العلم لسامعه ) ؟.
ج/ وأفاد
الخبر العلم لسامعه.. يعني أن الخبر سيورث في نفسك حينئذ العلم لسامعه، العلم هنا
هو العلم اليقيني، أو القطعي، أو الضروري، الذي يدفع النفس دفعا إلى التصديق والتسليم
من غير مناقشة ولا اختيار.
س/
ما هو العلم النظري ؟.
ج/ هوالعلم
الذى يحتاج إلى النظر والفكر والاجتهاد والروية.
س/ أيهما
أبلغ في القوة ، علم يقطع بالضرورة ثبوت الخبر، وهو يقيني قطعي أم علم يحتاج إلى
نظر لثبوت الخبر ؟.
ج/ العلم
الضروري الذى يدفع صاحبه دفعا للتصديق والتسليم من غير مناقشة.
س/
ما شروط التواتر؟
ج/ شروط
التواتر:
الشرط الأول: أن يرويه عدد كثير أحالت العادة
تواطؤهم على الكذب..
الشرط الثاني: {رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء حتى النهاية}.
يعني من أول
السند إلى منتهاه في كل طبقة من طبقات الإسناد، هناك تواتر.. ولم تخلو طبقة من
تواتر، لا ينبغي.
الشرط الثالث: {مستندهم إلى الحس}
إلى الحس وليس
إلى النظر والعقل.
الشرط الرابع: {أن يحصل بخبرهم إفادة العلم لسامعه}
أن يحصل بخبرهم
إفادة العلم لسامعه، وهو العلم القطعي الضروري اليقيني.
س/ هل
المتواتر موجود؟
ج/ المتواتر شروطه صعبة وشديدة، صح أم لا؟ فهل بهذه الشروط
حقًا هناك أحاديث متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تورث تلقاء التسليم
بصدقها وثبوتها عنه صلوات ربي وسلامه عليه.
قال الحافظ ابن
حجر: إن المتواتر موجود بكثرة في
الأحاديث..
هذا رأي الحافظ
أن الحديث المتواتر كثير، وموجود بكثرة في كتب السنة، وذهب الإمام ابن الصلاح إلى
أن المتواتر يعز وجوده أو يندر وجوده، وأنه قليل.
والحق حقيقة ما
اختاره ابن الصلاح.
س/
لماذا يندر وجود الحديث المتواتر؟
ج/ المتواتر قليل ، أولًا الشروط شديدة جدًا، ثانيًا: متون
السنة، متون أصول أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ تقريبًا من ثمانية آلاف
حديث إلى عشرة آلاف حديث، هذه التي تجمع حديث النبي كمتون، وليست كطرق ومتابعات
وشواهد، من ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف، الأحاديث المتواترة إن بلغت على أقصى حد لن
تزيد عن المائة والخمسين أو المائتين، على أقصى حد، ولا أظنها تبلغ هذا المبلغ.
المائة
والخمسين أو المائتين، مقابل عشرة آلاف، قليلة أم كثيرة؟ قليلة جدًا، وهذا الواقع.
س/
ما هى المصنفات التى صنفت فى الحديث المتواتر؟.
ج/ هناك علماء اهتموا بهذا الحديث المتواتر، وصنفوا فيه الكتب، وذلك لأن هذه
الأحاديث نقطع بثبوتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فمثلًا الأزهار
المتناثرة في الأخبار المتواترة للإمام السيوطي، لقط الأزهار المتناثرة للزبيدي،
كتاب ثالث نظم المتناثر من الحديث المتواتر، للكتاني، محمد بن جعفر الكتاني.
س/
ما هى أقسام المتواتر؟.
ج/ إذن المتواتر ينقسم إلى قسمين: متواتر لفظي ومتواتر
معنوي.
س/ ما
معنى متواتر لفظي؟
ج/ أي أنه بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم تواتر، بلفظ واحد.
س/
اذكر مثال للحديث ال متواتر لفظي ؟.
ج/ كحديث: «من كذب علي
متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، فهذا بهذا اللفظ قد نقله من الصحابة
ما يربوا على الستين، كذا نص أهل العلم، فهو متواتر بلفظه.
س/
ما معنى متواتر معنوي ؟
ج/ بمعنى أنه متواتر لكن بالمعنى، أي لم ينطق النبي صلى
الله عليه وسلم لفظًا واحدًا قد تواتر فيه.
س/
اذكر مثال للحديث المتواتر المعنوي ؟.
ج/ مثال: رفع اليدين.. وهذا الذي يضربه العلماء، رفع اليدين
حال الدعاء، هذا متواتر معنوي، بمعنى أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في
مواضع متعددة، حال الاستسقاء، أو حال دعاء الله عز وجل، وفي مواضع متعددة من
حياته، لكنه ما تواتر الحديث في موقف واحد أو موضع واحد قام به النبي، لا في مواضع
متعددة ثبت أن النبي إذا دعا رفع يديه وتوجه بهما إلى السماء.
فتواتر تواترا
معنويًا، أي أنه لا لفظ محدد، وإنما نقول أن رفع اليدين.. لاحظوا هذا من كلامي أم
كلام النبي، هذا من كلامي وليس من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم، أن رفع اليدين
سنة حال الدعاء.
هذا قد تواتر
تواترا معنويًا.
أحاديث عذاب
القبر، الحق والصدق أنها متواترة تواترا معنويًا، إذ ورد عن عذاب القبر أحاديث
كثيرة، وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تثبت عذاب القبر، لكن لا
على صيغة واحدة، ولا في مناسبة واحدة، بل مناسبات متعددة، وبألفاظ متباينة، لكنها
كلها تجعل في القلب طمأنينة بالقطع واليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن
للقبر عذاب ونعيم.
تجعل بالقطع
واليقين ذلك، فقلنا هذا من المتواتر المعنوي.
س/ هل
هو حجة أم ليس بحجة؟
ج/ حجة قطعًا، من غير خلاف ولا نزاع.
المتواتر يفيد
العلم اليقيني، أي الضروري، أي القطعي بمعنى العلم الذي لا تحتاج من خلاله إلا برهان
وفرك وإعمال عقل ونظر، ليس العلم النظري، وليست غلبة الظن، إطلاقًا، بل هو علم
يقطع المؤمن ويجزم بثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
س/ هل
الحديث المتواتر يوجب العلم والعمل ؟
ج/ نعم يوجب العلم والعمل ، إن لم يوجب العلم والعمل، فأي
الأحاديث توجب العلم والعمل، ونحن نقطع بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
س/ منكر
الحديث المتواتر كافر خارج عن الملة، لماذا؟
ج/ منكره كافر خارج عن الملة، لأننا نعلم أن منكر المعلوم
من الدين بالضرورة يكفر بإنكاره، صح أم لا؟ أنه لا يعذر إلا من كان حديث بإسلام،
وهذا كالمعلوم من الدين بالضرورة، لأنه كما أن الأمر كالصلاة معلومة من الدين
بالضرورة، حقيقة، لم تعلم الصلاة من الدين بالضرورة إلا بعد أن تواترت.. وتناقلها
الجمع عن الجمع، فالكل يصلي خلف عن سلف.
فمنكره كافر
إذا أقيمت عليه الحجة، وتوفرت الشروط، وانتفت موانع التكفير.
س/ ما
هو حديث الآحاد؟
ج/ {كل خبر لم يبلغ حد التواتر}.
نعم كل خبر لم
يبلغ حد المتواتر فهو آحاد، إذن رواية الواحد آحاد، رواية الاثنين آحاد، رواية
الثلاثة آحاد، رواية الأربعة آحاد، حتى يبلغ عندك الطمأنينة والقطع بثبوت، دون ذلك
فهو آحاد، فكل حديث دون ذلك فهو آحاد
س/ ما
هى أقسام حديث الآحاد؟
ج/ الآحاد تنقسم إلى ثلاثة أقسام.
القسم الأول:
وهو المشهور، والثاني: هو العزيز، والثالث: هو الغريب.
س/ ما
هو الحديث المشهور؟
ج/ أكثر العلماء على أن المشهور قد عرفه الحافظ ابن حجر:
بأنه ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، هذا تعريف الحافظ في النخبة، ما له طرق
محصورة.. قوله ما له طرق محصورة، أخرج غير المحصورة وهو المتواتر، كأنه يقول هو
الحديث غير متواتر، لأن الحديث المتواتر لا حصر
لطرقه.
ما له طرق
محصورة بأكثر من اثنين، إذن أيضًا أخرج الحديث الذي يكون فيه اثنين أو واحد، يكون
فيه راويان أو راوٍ واحد.
إذن أخرج
المتواتر، وأخرج الراوي الواحد، وهو الغريب، وأخرج الاثنين وهو العزيز، فهذا هو
المشهور.. هذا كلام الحافظ: ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين. انتهى كلامه.
إلا أنه ينبغي
أن يضاف له حقيقة في كل طبقة من طبقات السند، هذا ينبغي أن يضاف، كأنني أريد أن
أقول إن التعريف يكون: ما له طرق محصورة بأكثر من
اثنين في كل طبقة من طبقات الإسناد؛ لأنه إن كان في طبقة من طبقات الإسناد فهذا
مشهور، ليس بمشهور، هذا يسمى غريب، غريبًا فردًا، إن كانا
اثنين فيسمى عزيزا، إذن فالحق أن نقول: ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين في
كل طبقة من طبقات السند.
حيث ذكر الحافظ
هذا القيد في تعريف المتواتر، فكان حقه أيضًا رحمه الله أن يذكره هنا للزوم هذا
القيد فيهما.
ثم هناك ملاحظة
أيضًا على تعريف الحافظ، قال: ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، حقيقة أكثر
العلماء وكثير من العلماء ما قيدوه بأكثر من اثنين، وإنما قالوا بأكثر من ثلاثة؛
لأن العزيز عندهم ما رواه اثنان أو ثلاثة.
فينبغي أن نقول
ما له طرق محصورة بأكثر من ثلاثة حتى لا يتشارك مع العزيز في كل طبقة من طبقات
الإسناد، فيكون تعريف المشهور: ما له طرق محصورة بأكثر من ثلاثة في كل طبقة من
طبقات الإسناد، أو السند.
س/ ما
هو الحديث العزيز؟
ج/ ما رواه اثنان أو ثلاثة، هو أن يكون عدد الرواة أيضًا في
كل طبقة من طبقات الإسناد، اثنين أو ثلاثة.
في المتواتر
نشترط أن يكون في كل طبقة من طبقات الإسناد، وفي المشهور في كل طبقة من طبقات
الإسناد، وفي العزيز من كل طبقة من طبقات الإسناد.
أن يكون عدد
الرواة في كل طبقة من طبقات السند اثنين أو ثلاثة، وهذا القيد بأنه اثنان أو ثلاثة، كل العلماء اعتمدوا فيه على ما ذكره
الإمام ابن الصلاح.
حيث قال ابن
الصلاح: روينا عن الحافظ أبي عبد الله ابن منده،
أنه قال: انتبهوا إلى كلام هذا الإمام.. الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة
وأشباههما، من الأئمة ممن يجمع حديثهم، إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريبًا،
فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة واشتركوا في حديث يسمى عزيزا، فإذا روى الجماعة عنهم
حديثًا سمي مشهورًا. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
أقول فكل من
ذكر عدد الرواة في العزيز اعتمد على كلام ابن منده، وأرى حقيقة أن كلامه خاص وليس
عامًا، بمعنى فهو خاص بالأئمة المكثرين من أمثال الزهري وقتادة، وليس عامًا حتى
يعمم فيقال: العزيز من الحديث هو كذا وكذا.. نعيد عبارة الإمام ابن منده: الغريب
من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما، من الأئمة ممن يجمع حديثهم.. إذن هو
جعله في فئة معينة، هم الذين عليهم مدار الأسانيد، هم الذين تشبعوا بعلم الحديث،
فكانت بين أيديهم آلاف من الأحاديث يحفظونها، وليس الأمر عامًا على كل راوٍ، هذا الذي يظهر والله تعالى أعلم.
ثم إن تعريف
الحافظ رحمه الله تعالى حين قال، هذا تعريف الحافظ في النخبة، قال: العزيز هو أن
لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين..
يحتاج أيضًا
إلى تحرير وتدقيق، إذ على هذا التعريف يدخل فيه أيضًا المتواتر والمشهور، إذ
المتواتر والمشهور لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين.
س/ ما
هو الحديث العزيز؟
ج/ {ما رواه راو واحد ..}
ما تفرد
بروايته راو واحد في أي طبقة من طبقات السند.
لاحظوا أولًا
راو واحد، في المتواتر قلنا لابد أن يكون في كل طبقة من طبقات الإسناد، في المشهور
في كل طبقة من طبقات الإسناد، في العزيز في كل طبقة من طبقات الإسناد، في الغريب
طبقة واحدة تكفي أن تجعل الحديث غريبا، طبقة واحدة يتفرد بها راو واحد تكفي أن
تجعل الحديث من أحاديث الغريب.
المتواتر لابد
أن يكون التواتر في كل طبقة، وكذا المشهور، وكذا العزيز، لكن الغريب يكفي فيه طبقة
واحدة، يتفرد بها راو واحد، تنزل الحديث ولو كان في طبقاته متواترا، تنزله إلى
الغريب.
س/
لماذا التفرد مظنة الخطأ ؟.
ج/ حقيقة التفرد مظنة الخطأ، يعني يتفرد راو خاصة في عصر قد
اشتهرت فيه الرواية، كالعصر الذهبي لعلم الحديث.. آلاف مؤلفة، من العلماء وطلاب
العلم والمحدثين، آلاف مؤلفة، كان مجلس بعض المحدثين يبلغ سبعين ألف ومائة ألف..
ثم يأتي رجل واحد فيروي هذا الحديث فيتفرد.. ، علم قواعد مصطلح الحديث.. تتناغم مع
الفطرة الإنسانية.
الآن رجل عند
الإمام الزهري فأتى راو فتفرد برواية عن الإمام الزهري الذي كان مجلسه بعشرات
الآلاف، هل يحدث في نفسك هنا ريبة بالقبول أم قبولًا.
ريبة، أين
البقية، أين باقي الطلاب، لم حفظ دون سائر الطلاب، لا يعقل هذا، صح أم لا؟ لا
يعقل، ما تأتي تقول لي والله زيادة ثقة، وزيادة علم، الزهري كان له مجلس ثابت محدد
معروف للقاصي والداني من الطلاب، الكل يحضره،
إمام، مدرسة إسناد، مدار أسانيد، تأتي بعد هذا تفرد راو عنه، خاصة إذا كان من غير
المشهورين من تلاميذه ولا النجباء، والله في النفس منها أشياء، صح أم لا؟
فالتفرد من
القرائن التي تبين للعالم الناقد أن الحديث فيه خطأ، التفرد والمخالفة هي من وسائل
كشف العلة.
س/
ما هى من أبرز الوسائل التي يعتمد عليها العالم لمعرفة علة الحديث ؟.
ج/ التفرد والمخالفة من أبرز الوسائل التي يعتمد عليها
العالم لمعرفة علة الحديث، ووجود العلة في الحديث.
س/ هل
حديث الآحاد موجود أم لا؟
ج/ موجود وبكثرة.. نعم.. ذهب الجمهور إلى وجود الآحاد
بكثرة، وذهب الحافظ ابن حبان إلى أن العزيز قسم العزيز من الآحاد صعب المنال، غير
موجود.. وللفائدة أقرها الحافظ ابن حجر على تعريف
ابن حبان للعزيز، وهو اثنان عن اثنين في كل طبقة،
يعني كل طبقة اثنان لا يزيدان
ولا ينقصان.
فمال الحافظ في
النخبة والنزهة إلى إقراره، وأنه أقره، فقال على قيده وحده فيكاد يكون معدوما، أو
بهذا المعنى.
لكن من حيث
وجود الآحاد، موجودة، بل أكثر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من هذا القسم، من
الآحاد.
س/
هل حديث الآحاد حجة أم لا؟
ج/ حديث الآحاد في الأصل يوجب العمل وهو من غلبة الظن على
صدق قائله.
هذا في الأصل،
هو يوجب العمل، عموم أحاديث الآحاد توجب العمل، وهو من باب غلبة الظن ليس العلم
اليقيني ولا العلم النظري، بل أدنى من هذا عندنا يقسم إلى علم يقيني وعلم نظري
وغلبة ظن، فهو من أدنى المستويات من باب غلبة الظن على ثبوته وصدق قائله، فهو يوجب
العمل، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
{حجية أحاديث
الآحاد يوجب العمل، يغلب على الظن صدق الخبر لثبوت صدق ناقله، إفادة العلم النظري
..}
س/
متى يرتقي حديث الآحاد من غلبة الظن إلى العلم النظري ؟.
ج/ أحيانًا حديث الآحاد يفيد العلم ... يرتقي من غلبة الظن
إلى العلم النظري، ليس العلم اليقيني أبدًا، إلا عند طوائف قلة من العلماء، لكن
على ما حرره الحافظ ابن حجر، وكتابنا نعتمد فيه النزهة والنخبة على ما حرره، فإنه
يفيد العلم النظري.
{إفادة العلم
النظري إن وجدت قرينة تقويه إلى درجة إفادة العلم أفاد العلم النظري}.
إذن يشترط
لإفادة العلم النظري وجود قرينة، تجعله ينتقل من غلبة الظن إلى إفادة العلم
النظري، وهو أقوى وأثبت وأرسخ في الدلالة.
لكن على كل
الأحوال هو موجب للعمل.
س/ ما
هي القرائن؟
ج/ قد ذكر هذه القرائن الحافظ ابن حجر،
فأول قرينة: ما
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما لم يبلغ درجة التواتر، فهذا يوجب العلم
النظري، فهو ترقٍ من غلبة الظن إلى العلم النظري.
القرينة
الثانية: المشهور إذا تعددت طرقه، وسلمت من ضعف الرواة والعلل، يعني حديث مشهور
تعددت مخارجه، لكنها محصورة، ما زالت محصورة لم تبلغ التواتر، فتعددت مخارجه،
وسلمت من الشذوذ والعلل، فأفادت العلم النظري.
القرينة
الثالثة: المسلسل برواية الأئمة الحفاظ المتقنين بعضهم عن بعض، بحيث لا يكون فيه
تفرد في الإسناد، يعني حافظ إمام عن حافظ إمام، فهذا يفيد العلم النظري.
إذن أحاديث
الآحاد توجب العمل، وتفيد الظن الغالب، إلا أنها إن احتفت بها قرائن إخراج أصحاب الصحيح
لها، أو أنها من المشهور الذي تعددت مخارجه وسلم من شذوذ والعلل، أو أنه مسلسل
بحافظ عن حافظ، إمام عن إمام، فهذا يترقى إلى إفادة العلم النظري ولكن يبقى هو هو
أنه يجب العمل به، سواء كان غلبة ظن أم علمًا نظريًّا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق